أول شيء فكرت فيه عندما قرأت خبر اعتقال زميلنا في الصحافة الإلكترونية محمد الراجي لحظات قبيل دخولي المطبخ لإعداد الفطور الرمضاني هو أن أشطب على مدونتي وأسحق صراصيرها قبل الجوع الذي خلفه يوم متعب على معدتي، ثم أبحث لي عن مخطط لمغادرة الوطن إلى غير رجعة. فأحداث كثير ـ ليس هذا الظرف مناسبا لسردها ـ جعلتني أبدأ أحس أن الحياة التي طالما نعمل من أجلها غير موجودة في هذا المكان، وفي نهاية المطاف الله الذي نثق فيه فيه موجود في كل مكان. ثم إذا كنا لم نختر البلد الذي نولد به، فلماذا لا يسعى كل منا لاختيارالوطن الذي يعيش فيه؟؟ وطن يحبنا كما نحبه و لا يصفعنا كلما حاولنا معانقته.
تعرفت إلى محمد الراجي عن طريق مدونات مكتوب ولا زلت أتذكر أنه كان يعلق على إدراجاته طالبا من القراء ومن المدونين أن لا يجاملوه، لقد كان يحاسب نفسه فكنت منذ البداية متيقنا أنه لن يتردد في محاسبة الاخرين. هكذا ابتدأت صدhقتنا التي لم تتجاوز حدود الهاتف والأنترنت رغم أننا نسكن نفس المدينة.
في الرابعة صباحا من اليوم الذي تلقيت فيه الخبر سأنزل ضيفا على مستعجلات مستشفى الحسن الثاني بسبب إسهال حاد الام وفي البطن. قال لي الطبيب وهو يغرز الشوكة (لا تسألوني أين) أني ربما تناولت طعاما فاسدا، وعندما فكرت في لائحة الأطعمة التي استهلكتها البارحة وجدت أن الطعام الوحيد المشكوك في صلاحيته والذي تلاعب بأمعائي وجعل عيناي غارقتان هو بالذات خبر اعتقال محمد الراجي. إنه الحدث الذي تجاوزه التاريخ، والذين صنعوه أناس تجاوزهم التاريخ، ويرفضون شيء اسمه التغيير والسير إلى الأمام، حاولوا تسميم كل من يريد صنع التاريخ.
نحن سعداء جدا بلإفراج عن محمد الراجي لكن مستاؤون للمستوى المتدني للواقفين وراء اعتقاله ولسرعة محاكمته. نحن متيقنون أن أعلى سلطة في البلاد لن ترضى بمثل هذه الأحداث وهي التي أكدت في إحدى استجواباتها لجريدة أجنبية أنها رفضت غير ما مرة الإقتصاص لنفسها من أقلام وطنية تجاوزت كل الحدود في تناولها لشخصها.
ما يحدث إخلال بالإحترام الواجب للمواطن وإذلال بالإحترام الواجب للملك لأنه يعصف بفلسفة الإحترام وجوهره، وعلى الملك اليوم ، الذي يتواضع كل يوم ويتنازل كل عن الكثير من مظاهر الملكية، ولا يتردد في أن يوسخ حذاءه بالغبار الطيب لأبعد المداشر، أن يعلم أن هناك ـ على سبيل المثال فقط ـ في المقابل قيادًا يأمرون المخزني المسكين أن يفتح لهم باب سيارة السلطة كل صباح ويحملوا حقيبته في مشهد رهيب يخيف المواطنين البسطاء. لست الوحيد الذي يعاني كل يوم لأن من هذه الصور المؤلمة التي تطاردنا في كل مكان. أقسم أن جيل اليوم لن يرضى بنصف الوطن. نريده وطنا مكتملا متكاملا.
كان بإمكان محمد الراجي الذي يقتطع من خبزه ثمن ساعات الإبحار الطويلة داخل مقاهي الأنترنت ساعات لكتابة ونشر أفكاره أن يتجه صوب أرقب حلاق ويصنع لنفسه احدث تسريحة شعر وينزل السروال ـ الذي يحب بعض رجال الأمن أن يزيلوه لنا في كل الأحوال (اللهم عن خاطر) ـ ثم يُرَكِب بضعة كلمات غبية كما تصنع 95 في المائة من المجموعات " الشبابية " السخيفة لينزل بعد أسبوع ضيفا على برنامج أجيال عوض سجن إنزكان، رفقة 40 فتاة مغرية عوض 40 سجين من سجناء الحق العام!!
في الختام، لدي أمنية واحدة ـ بعد الإفراج طبعا عن الراجي وشفائي ـ وهي أن تنقل وزارة العدل والداخلية هذه السرعة في المحاكمات لإداراتها. تصوروا معي عقد ازدياد في سبع دقائق !! أريتم المغرب الذي نسعى إليه موجود.. يكفي فقط أن نبحث عميقا كما قال الفنان الشعبي الساخر الكريمي.
هشام منصوري
مدونة سراق الزيت
www.srakzite.maktoobblog.com